اتفقا عليه من حديث شعبة .
واتفقا من حديث خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أنس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لكل أمة أمين ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح " .
أخبرنا أحمد بن محمد المعلم ، أنبأنا أبو القاسم بن رواحة ، أنبأنا أبو طاهر الحافظ ، أنبأنا أحمد بن علي الصوفي ، وأبو غالب الباقلاني ، وجماعة ، قالوا : أنبأنا أبو القاسم بن بشران ، أنبأنا أبو محمد الفاكهي بمكة ، حدثنا أبو يحيى بن أبي ميسرة ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى الواسطي ، أنبأنا يحيى بن أبي زكريا ، حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : كنت [ ص: 12 ] في الجيش الذين مع خالد ، الذين أمد بهم أبا عبيدة وهو محاصر دمشق ، فلما قدمنا عليهم ، قال لخالد : تقدم فصل; فأنت أحق بالإمامة ؛ لأنك جئت تمدني . فقال خالد : ما كنت لأتقدم رجلا سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لكل أمة أمين ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح " .
أبو بكر بن أبي شيبة : أنبأنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن زكريا بن أبي زائدة ، عن أبي إسحاق ، عن صلة ، عن حذيفة قال : أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - أسقفا نجران : العاقب والسيد ، فقالا : ابعث معنا أمينا حق أمين . فقال : " لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين " ، فاستشرف لها الناس ، فقال : قم يا أبا عبيدة ، فأرسله معهم .
قال : وحدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق نحوه .
الترقفي في " جزئه " حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا صفوان بن عمرو ، حدثنا أبو حسبة مسلم بن أكيس مولى ابن كريز ، عن أبي عبيدة قال : ذكر لي من [ ص: 13 ] دخل عليه فوجده يبكي ، فقال : ما يبكيك يا أبا عبيدة ؟ قال : يبكيني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر يوما ما يفتح الله على المسلمين ، حتى ذكر الشام فقال : " إن نسأ الله في أجلك فحسبك من الخدم ثلاثة : خادم يخدمك ، وخادم يسافر معك ، وخادم يخدم أهلك ، وحسبك من الدواب ثلاثة : دابة لرحلك ، ودابة لثقلك ، ودابة لغلامك " . ثم هأنذا أنظر إلى بيتي قد امتلأ رقيقا ، وإلى مربطي قد امتلأ خيلا ، فكيف ألقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدها ؟ وقد أوصانا : " إن أحبكم إلي ، وأقربكم مني ، من لقيني على مثل الحال التي فارقتكم عليها " .
حديث غريب رواه أيضا أحمد في " مسنده " عن أبي المغيرة .
وكيع بن الجراح ، حدثنا مبارك بن فضالة عن الحسن ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما منكم من أحد إلا لو شئت لأخذت عليه بعض خلقه ، إلا أبا عبيدة " . هذا مرسل .
وكان أبو عبيدة موصوفا بحسن الخلق ، وبالحلم الزائد والتواضع .
قال محمد بن سعد : حدثنا أحمد بن عبد الله ، حدثنا ابن عيينة ، عن ابن [ ص: 14 ] أبي نجيح ، قال عمر لجلسائه : تمنوا ، فتمنوا ، فقال عمر : لكني أتمنى بيتا ممتلئا رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح .
وقال ابن أبي شيبة : قال [ ابن ] علية ، عن يونس ، عن الحسن ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما من أصحابي أحد إلا لو شئت أخذت عليه ، إلا أبا عبيدة " .
وسفيان الثوري : عن أبي إسحاق; عن أبي عبيدة قال : قال ابن مسعود : " أخلائي من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة : أبو بكر ، وعمر ، وأبو عبيدة " .
خالفه غيره ففي " الجعديات " : أنبأنا زهير ، عن أبي إسحاق ، عن أبي [ ص: 15 ] الأحوص ، عن عبد الله فذكره .
قال خليفة بن خياط : وقد كان أبو بكر ولى أبا عبيدة بيت المال .
قلت : يعني أموال المسلمين; فلم يكن بعد عمل بيت مال ، فأول من اتخذه عمر .
قال خليفة : ثم وجهه أبو بكر إلى الشام سنة ثلاث عشرة أميرا ، وفيها استخلف عمر ، فعزل خالد بن الوليد ، وولى أبا عبيدة .
قال القاسم بن يزيد : حدثنا سفيان ، عن زياد بن فياض ، عن تميم بن سلمة ، أن عمر لقي أبا عبيدة ، فصافحه ، وقبل يده ، وتنحيا يبكيان .
وقال ابن المبارك في " الجهاد " له : عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه قال : بلغ عمر أن أبا عبيدة حصر بالشام ، ونال منه العدو ، فكتب إليه عمر : أما بعد ، فإنه ما نزل بعبد مؤمن شدة ، إلا جعل الله بعدها فرجا ، وإنه لا يغلب عسر يسرين يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا الآية .
قال : فكتب إليه أبو عبيدة : أما بعد ، فإن الله يقول : إنما الحياة الدنيا لعب ولهو إلى قوله : متاع الغرور قال : فخرج عمر [ ص: 16 ] بكتابه ، فقرأه على المنبر فقال : يا أهل المدينة ، إنما يعرض بكم أبو عبيدة أو بي ، ارغبوا في الجهاد .
ابن أبي فديك; عن هشام بن سعد ، عن زيد ، عن أبيه قال : بلغني أن معاذا سمع رجلا يقول : لو كان خالد بن الوليد ، ما كان بالناس دوك وذلك في حصر أبي عبيدة . فقال معاذ : فإلى أبي عبيدة تضطر المعجزة لا أبا لك! والله إنه لخير من بقي على الأرض .
رواه البخاري في " تاريخه " ، وابن سعد .
وفي " الزهد " لابن المبارك : حدثنا معمر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : قدم عمر الشام ، فتلقاه الأمراء والعظماء ، فقال : أين أخي أبو عبيدة ؟ قالوا : يأتيك الآن . قال : فجاء على ناقة مخطومة بحبل ، فسلم عليه ، ثم قال للناس : انصرفوا عنا . فسار معه حتى أتى منزله ، فنزل عليه ، فلم ير في بيته إلا سيفه وترسه ورحله ، فقال له عمر : لو اتخذت متاعا ، أو قال شيئا ، فقال : يا [ ص: 17 ] أمير المؤمنين ، إن هذا سيبلغنا المقيل .
ابن وهب : حدثني عبد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن عمر حين قدم الشام ، قال لأبي عبيدة : اذهب بنا إلى منزلك ، قال : وما تصنع عندي ؟ ما تريد إلا أن تعصر عينيك علي . قال : فدخل ، فلم ير شيئا ، قال : أين متاعك ؟ لا أرى إلا لبدا وصحفة وشنا ، وأنت أمير ، أعندك طعام ؟ فقام أبو عبيدة إلى جونة ، فأخذ منها كسيرات ، فبكى عمر ، فقال له أبو عبيدة : قد قلت لك : إنك ستعصر عينيك علي يا أمير المؤمنين ، يكفيك ما يبلغك المقيل . قال عمر : غيرتنا الدنيا كلنا غيرك يا أبا عبيدة .
أخرجه أبو داود في " سننه " من طريق ابن الأعرابي .
وهذا والله هو الزهد الخالص ، لا زهد من كان فقيرا معدما .
معن بن عيسى ، عن مالك : أن عمر أرسل إلى أبي عبيدة بأربعة آلاف ، أو بأربع مائة دينار ، وقال للرسول : انظر ما يصنع بها ، قال : فقسمها أبو عبيدة ، ثم أرسل إلى معاذ بمثلها ، قال : فقسمها ، إلا شيئا قالت له امرأته نحتاج إليه ، فلما أخبر الرسول عمر ، قال : الحمد لله الذي جعل في الإسلام من يصنع [ ص: 18 ] هذا .
الفسوي حدثنا أبو اليمان ، عن جرير بن عثمان ، عن أبي الحسن عمران بن نمران ، أن أبا عبيدة كان يسير في الع********ر فيقول : ألا رب مبيض لثيابه ، مدنس لدينه! ألا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين! بادروا السيئات القديمات بالحسنات الحديثات .
وقال ثابت البناني : قال أبو عبيدة : يا أيها الناس ، إني امرؤ من قريش ، وما منكم من أحمر ولا أسود يفضلني بتقوى ، إلا وددت أني في مسلاخه .
معمر : عن قتادة ، قال أبو عبيدة بن الجراح : وددت أني كنت كبشا ، فيذبحني أهلي ، فيأكلون لحمي ، ويحسون مرقي .