السليمانية: هيوا عزيز
لم تعد حالات بيع الكتب والمراجع والمناهج الدراسية على الأرصفة وقارعات الطرق مجرد حالات استثنائية في معظم مدن إقليم كردستان العراق، بل تحولت في ظل تجاهل الجهات المعنية في إدارات المدن إلى ظاهرة لافتة تثير الكثير من التساؤلات، سيما أن أمهات الكتب والمراجع القيمة التي تفتقر إليها كبريات المكتبات في الإقليم وكذلك الكتب المنهجية الشحيحة في المدارس بمختلف مراحلها، تباع بأسعار تكاد تكون رمزية قياسا بأهمية تلك الكتب والمراجع لدى الباعة الذين يفترشون الأرصفة والساحات الشهيرة.
وفي مدينة السليمانية تحديدا فإن باعة الكتب المتجولين نجحوا بمرور الوقت في احتلال أرصفة وزوايا أهم وأبرز ساحة تتوسط قلب المدينة، ألا وهي ساحة «السراي» المحاذية لمبنى وزارة الداخلية السابق الذي يجري ترميمه حاليا ليكون متحفا وطنيا. تلك الساحة التي تختزل مقاطع عديدة من تاريخ الوثبات والانتفاضات والمسيرات الاحتجاجية والمصادمات المسلحة بين أهالي السليمانية ورجال العديد من الأنظمة التي تعاقبت على سدة الحكم في البلاد منذ العهد العثماني وحتى يومنا هذا، باعتبارها نقطة انطلاق وتلاقي أهالي المدينة في المناسبات السعيدة والأليمة.
ويقول كمال محمود، 35 عاما، احد باعة الكتب على الأرصفة في السليمانية انه يزاول هذه الحرفة منذ 15 عاما بعد ان ترك الدراسة في المرحلة الإعدادية بسبب الفقر، وأضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أغير طبيعة الكتب التي أبيعها طبقا لمواسم وفصول السنة ففي بداية كل عام دراسي أبيع الكتب المنهجية في مختلف المراحل الدراسية وبأسعار زهيدة من باب التعاون مع الطلبة والتلاميذ لأنني أتفهم معاناتهم، حيث أتولى شخصيا استنساخ نماذج من الكتب المنهجية في بعض المطابع المحلية وبأعداد كثيرة كي تكون متوفرة في السوق دوما منعا للاستغلال. ومع حلول موسم الامتحانات نصف السنوية أبيع الملحقات التوضيحية التي تتضمن حلولا للتمارين والمعادلات الرياضية الواردة في الكتب المنهجية التي يعدها المدرسون المتخصصون في مواد الكيمياء والفيزياء والرياضيات والعلوم وغيرها من الدروس، وذلك لأن الطلبة يقبلون على شرائها بكثرة، وبحلول موسم الصيف أبيع كتب الشعر والقصص والروايات وهي كتب يقبل عليها الشباب كثيرا».
ويؤكد محمود أن أكثر الكتب مبيعا عنده هي دواوين الشعراء الشباب والكتب التي تتناول الثقافة أو الصحة الجنسية، التي هي في الغالب كتب مترجمة إلى الكردية لكبار الكتاب مثل الدكتورة نوال السعداوي، بينما الكتب العربية تباع بأعداد قليلة جدا. وفي تعليله لأسباب بيع الكتب على الأرصفة وتجاهل قدسية بعض الكتب الدينية التي تتضمن آيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة، يقول «السليمانية تكنى بمدينة الثقافة والفنون الكردية، لكن السلطات المحلية تأبى أن تقر بذلك فنحن الباعة المتجولين لطالما تعرضنا للمضايقة من قبل رجال الشرطة والأمن، وتعرضنا للسجن والإهانة مرارا في مسعى من السلطة لمنعنا من مزاولة بيع الكتب على الأرصفة، لكن الجهات المعنية لم تكترث يوما بأوضاعنا ولم تسع أبدا لإيجاد حل لهذه الحالة التي تحولت إلى ظاهرة تحز في نفوس الباعة أيضا».
أما سردار حسن، 31 عاما، وهو بائع كتب ومجلات في ساحة السراي بالسليمانية فقال «باعة الكتب مثل باعة الورود في مدن العالم المتحضرة، فعلى السلطات المحلية في الإقليم عموما والسليمانية تحديدا أن تخصص لهم مواقع ومحلات خاصة لبيع الكتب والصحف والمجلات التي هي دلالة على مدى ثقافة وتحضر شعب الإقليم، لا أن تتركنا على الأرصفة كالمتسولين، نحمي أمهات الكتب من التلف ومن الأمطار تحت أغطية نايلونية». ويقول بزار علي، 29 عاما، وهو رجل أعمال ثري ينحدر من عائلة تهتم بالثقافة والفنون وأمضى سنوات عديدة من عمره مقيما مع أسرته في لندن، قبل إن يعود إلى السليمانية مؤخرا، انه اتفق مع الجهات المعنية في إدارة المدينة على بناء عدد من الأكشاك الحديثة على نفقته الخاصة وتوزيعها لاحقا على باعة الكتب والمجلات والصحف في المواقع والساحات البارزة، وأضاف لـ«الشرق الأوسط» «بما أن إدارة المدينة تعجز عن إيجاد حل حضاري لظاهرة بيع الكتب على الأرصفة، فقد قررت أن أتولى حلها بجهودي الفردية، مهما كلفني ذلك من ثمن فالكتاب يعني لدي الكثير وأحرص كثيرا على وضعه في المكان الذي يليق به خصوصا في مدينتي السليمانية التي ينبغي لها أن تبقى كما هي مدينة ترعى الثقافة والفنون الكردية وبأسلوب حضاري متمدن».
<table border=0 width=380><tr><td align=middle></TD></TR> <tr><td class=caption>في مدينة السليمانية نجح الباعة في احتلال ساحة «السراي» التي تختزل مقاطع عديدة من تاريخ المنطقة (تصوير: كامران نجم)</TD></TR></TABLE> |